فصل: تفسير الآية رقم (117):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (117):

{مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)}
وقوله تعالى: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِى بِهِ} استئناف كما قال شيخ الإسلام مسوق لبيان ما صدر عنه عليه السلام قد أدرج فيه عدم صدور القول المذكور عنه على أبلغ وجه وآكده حيث حكم بانتفاء صدور جميع الأقوال المغايرة للمأمور به فدخل فيه انتفاء صدور القول المذكور دخولًا أوليًا. والمراد عند البعض ما أمرتهم إلا بما أمرتني به إلا أنه قيل: {مَا قُلْتُ لَهُمْ} نزولًا على قضية حسن الأدب لئلا يجعل ربه سبحانه ونفسه معًا آمرين ومراعاة لما ورد في الاستفهام. ودل على ذلك بإقحام أن المفسرة في قوله تعالى: {أَنِ اعبدوا الله رَبّى وَرَبَّكُمْ}. ولا يرد أن الأمر لا يتعدى بنفسه إلى المأمور به إلا قليلًا كقوله:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

فكذا ما أول به لأنه كما قال ابن هشام لا يلزم من تأويل شيء بشيء أن يتعدى تعديته كما صرحوا به لأن التعدية تنظر إلى اللفظ. نعم قيل في جعل أن مفسرة بفعل الأمر المذكور صلته نحو أمرتك بهذا أن قم نظر أما في طريق القياس فلأن أحدهما مغن عن الآخر. وأما في الاستعمال فلأنه لم يوجد. ونظر فيما ذكر في طريق القياس لأن الأول لا يغني عن الثاني والثاني لا يغني عن الأول وللتفسير بعد الإبهام شأن ظاهر. وادعى ابن المنير أن تأويل هذا القول بالأمر كلفة لا طائل وراءها وفيه نظر. وجوز إبقاء القول على معناه و{أَنِ اعبدوا} إما خبر لمضمر أي هو أن اعبدوا أو منصوب بأعني مقدرًا، وقيل: عطف بيان للضمير في {بِهِ}، واعترض بأنه صرح في المغني بأن عطف البيان في الجوامد نزلة النعت في المشتقات فكما أن الضمير لا ينعت لا يعطف عليه عطف بيان، وأجيب بأن ذلك من المختلف فيه وكثير من النحاة جوزوه. وما في المغني قد أشار شراحه إلى رده، وقيل: بدل من الضمير بدل كل من كل. ورده الزمخشري في الكشاف بأن المبدل منه في حكم التنحية والطرح فيلزم خلو الصلة من العائد بطرحه، وأجيب عنه بأن المذهب المنصور أن المبدل منه ليس في حكم الطرح مطلقًا بل قد يعتبر طرحه في بعض الأحكام كما إذا وقع مبتدأ فإن الخبر للبدل نحو زيد عينه حسنة ولا يقال حسن. وقد يقال أيضًا: إنه ليس كل مبدل منه كذلك بل ذلك مخصوص فيما إذا كان البدل بدل غلط، وأجاب بعضهم بأنه وإن لزم خلو الصلة من العائد بالطرح لكن لا ضير فيه لأن الاسم الظاهر يقوم مقامه كما في قوله:
وأنت الذي في رحمة الله أطمع

ولا يخفى أن في صحة قيام الظاهر هنا مقام الضمير خلافًا لهم، وجوز أن يكون بدلًا من {مَا أَمَرْتَنِى بِهِ}، واعترض بأن {مَا} مفعول القول ولابد فيه أن يكون جملة محكية أو ما يؤدي مؤداها أو ما أريد لفظه وإذا كان العبادة بدلًا كانت مفعول القول مع أنها ليست واحدًا من هذه الأمور فلا يقال: ما قلت لهم إلا العبادة، وفي الانتصاف: أن العبادة وإن لم تقل فالأمر بها يقال وأن الموصولة بفعل الأمر يقدر معها الأمر فيقال هنا ما قلت لهم إلا الأمر بالعبادة ولا ريب في صحته لأن الأمر مقول بل قول على أن جعل العبادة مقولة غير بعيد على طريقة {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ} [المجادلة: 3] أي الوطء الذي قالوا قولًا يتعلق به وقوله تعالى: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} [مريم: 80] ونحو ذلك، وفي «الفوائد» أن المراد ما قلت لهم إلا عبادته أي الزموا عبادته فيكون هو المراد من {مَا أَمَرْتَنِى بِهِ} ويصح كون هذه الجملة بدلًا من ما أمرتني به من حيث إنها في حكم المراد لأنها مقولة و{مَا أَمَرْتَنِى بِهِ} مفرد لفظًا وجملة معنى ولا يخلو عن تعسف، وجوز إبقاء القول على معناه وأن مفسرة إما لفعل القول أو لفعل الأمر، واعترض بأن فعل القول لا يفسر بل يحكي به ما بعده من الجمل ونحوها وبأن فعل الأمر مسند إلى الله تعالى وهو لا يصح تفسيره بأعبدوا الله ربي وربكم بل بأعبدوني أو أعبدوا الله ونحوه، وأجيب عن هذا بأنه يجوز أن يكون حكاية بالمعنى كأنه عليه السلام حكى معنى قول الله عز وجل بعبارة أخرى وكأن الله تعالى قال له عليه السلام: مرهم بعبادتي أو قال لهم على لسان عيسى عليه السلام: أعبدوا الله رب عيسى وربكم فلما حكاه عيسى عليه السلام قال: {اعبدوا الله رَبّى وَرَبَّكُمْ} فكنى عن اسمه الظاهر بضميره كما قال الله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: {قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبّى فِي كتاب لاَّ يَضِلُّ رَبّى وَلاَ يَنسَى الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مّن نبات شتى} [طه: 52، 53] فإن موسى عليه السلام لا يقول فأخرجنا بل فأخرج الله تعالى لكن لما حكاه الله تعالى عنه عليه السلام رد الكلام إليه عز شأنه وأضاف الإخراج إلى ذاته عز وجل على طريقة المتكلم لا الحاكي وإن كان أول الكلام حكاية. ومثله قوله تعالى: {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العزيز العليم} إلى قوله سبحانه: {فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا} [الزخرف: 119] إلى غير ذلك.
وقال أبو حيان: يجوز أن يكون المفسر {اعبدوا الله} ويكون {رَبّى وَرَبَّكُمْ} من كلام عيسى عليه السلام على إضمار أعني أي أعني ربي وبكم لا على الصفة لله عز اسمه واعتمده ابن الصائغ وجعله نظير قوله تعالى: {إِنَّا قَتَلْنَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولَ الله} [النساء: 157] على رأي. وفي أمالي ابن الحاجب إذا حكى حاك كلامًا فله أن يصف المخبر عنه بما ليس في كلام المحكي عنه، واستبعد ذلك الحلبي والسفاقسي وهو الذي يقتضيه الإنصاف. وقيل على الأول: إن بعضهم أجاز وقوع أن المفسرة بعد لفظ القول ولم يقتصر بها على ما في معناه فيقع حينئذٍ مفسرًا له لكن أنت تعلم أنه لا ينبغي الاختلاف في أنه لا يقترن المقول المحكي بحرف التفسير لأن مقول القول في محل نصب على المفعولية والجملة المفسرة لا محل لها فلعل مراد البعض مجرد الوقوع والتزام أن المقول محذوف وهو المحكي وهذا تفسير له أي ما قلت لهم مقولًا فتدبر فقد انتشرت كلمات العلماء هنا.
{وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} أي رقيبًا أراعي أحوالهم وأحملهم على العمل وجب أمرك من غير واسطة ومشاهدًا لأحوالهم من إيمان وكفر، و{عَلَيْهِمْ} كما قال أبو البقاء متعلق بشهيدًا، لعل التقديم لما مر غير مرة {مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} أي مدة دوامي فيما بينهم {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى} أي قبضتني بالرفع إلى السماء كما يقال توفيت المال إذا قبضته. وروي هذا عن الحسن وعليه الجمهور. وعن الجبائي أن المعنى أمتني وادعى أن رفعه عليه السلام إلى السماء كان بعد موته وإليه ذهب النصارى وقد مر الكلام في ذلك.
{كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} أي الحفيظ المراقب فمنعت من أردت عصمته عن المخالفة بالإرشاد إلى الدلائل والتنبيه عليها بإرسال الرسول وإنزال الآيات وخذلت من خذلت من الضالين فقالوا ما قالوا، وقيل: المراد بالرقيب المطلع المشاهد، ومعنى الجملتين إني ما دمت فيهم كنت مشاهدًا لأحوالهم فيمكن لي بيانها فلما توفيتني كنت أنت المشاهد لذلك لا غيرك فلا أعلم حالهم ولا يمكنني بيانها، ولا يخفى أن الأول أوفق بالمقام، وقد نص بعض المحققين أن الرقيب والشهيد هنا عنى واحد وهو ما فسر به الشهيد أولًا ولكن تفنن في العبارة ليميز بين الشهيدين والرقيبين لأن كونه عليه الصلاة والسلام رقيبًا ليس كالرقيب الذي يمنع ويلزم بل كالشاهد على المشهود عليه ومنعه جرد القول وأنه تعالى شأنه هو الذي يمنع منع إلزام بالأدلة والبينات، و{أَنتَ} ضمير فصل أو تأكيد و{الرَّقِيبَ} خبر كان. وقرئ {الرَّقِيبَ} بالرفع على أنه خبر {أنت}، والجملة خبر كان و{عَلَيْهِمْ} في القراءتين متعلق بالرقيب. وقوله سبحانه: {وَأَنتَ على كُلّ شَيْء شَهِيدٌ} تذييل مقرر لمضمون ما قبله وفيه على ما قيل إيذان بأنه سبحانه كان هو الشهيد في الحقيقة على الكل حين كونه عليه السلام فيما بينهم، و{على} متعلقة بشهيد، والتقديم لمراعاة الفاصلة.

.تفسير الآية رقم (118):

{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)}
وقوله تعالى: {إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} على معنى إن تعذبهم لم يلحقك بتعذيبهم اعتراض لأنك المالك المطلق لهم ولا اعتراض على المالك المطلق فيما يفعله لكه، وقيل: على معنى: إن تعذبهم لم يستطع أحد منهم على دفع ذلك عن نفسه لأنهم عبادك الأرقاء في أسر ملكك وماذا تبلغ قدرة العبد في جنب قدرة مالكه، وقيل: المعنى إن تعذبهم فإنهم يستحقون ذلك لأنهم عبادك وقد عبدوا غيرك وخالفوا أمرك وقالوا ما قالوا، ونسب ذلك إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو بعيد عن النظم، نعم لا يبعد أن يكون في النظم إشارة إليه.
{وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} أي فإن تغفر لهم ما كان منهم لا يلحقك عجز بذلك ولا استقباح فإنك القوي القادر على جميع المقدورات التي من جملتها الثواب والعقاب الحكيم الذي لا يريد ولا يفعل إلا ما فيه حكمة، والمغفرة للكافر لم يعدم فيها وجه حكمة لأن المغفرة حسنة لكل مجرم في المعقول بل متى كان المجرم أعظم جرمًا كان العفو عنه أحسن لأنه أدخل في الكرم وإن كانت العقوبة أحسن في حكم الشرع من جهات أخر، وعدم المغفرة للكافر بحكم النص والإجماع لا للامتناع الذاتي فيه ليمتنع الترديد والتعليق بإن.
وقد نقل الإمام أن غفران الشرك عندنا جائز. وعند جمهور البصريين من المعتزلة قالوا: لأن العقاب حق الله تعالى على المذنب وفي إسقاطه منفعة للمذنب وليس في إسقاطه على الله سبحانه مضرة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي أن معنى الآية إن تعذبهم فتميتهم بنصرانيتهم فيحق عليهم العذاب فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فتخرجهم من النصرانية وتهديهم إلى الإسلام فإنك أنت العزيز الحكيم، وهذا قول عيسى عليه السلام في الدنيا اه.
ولا يخفى أنه مخالف لما يقتضيه السباق والسياق، وقيل: الترديد بالنسبة إلى فرقتين، والمعنى إن تعذبهم أي من كفر منهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم وتعف عمن آمن منهم فإنك إلخ وهو بعيد جدًا، وظاهر ما قالوه أنه ليس في قوله سبحانه: {وَإِن تَغْفِرْ} إلخ تعريض بسؤال المغفرة وإنما هو لإظهار قدرته سبحانه وحكمته، ولذا قال سبحانه: {العزيز الحكيم} دون الغفور الرحيم مع اقتضاء الظاهر لهما، وما جاء في الأخبار مما أخرجه أحمد في المصنف والنسائي والبيهقي في سننه عن أبي ذر قال: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها {إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} إلخ فلما أصبح قلت: يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت قال: إني سألت ربي سبحانه الشفاعة فأعطانيها وهي نائلة إن شاء الله تعالى من لا يشرك بالله تعالى شيئًا» وما أخرجه مسلم وابن أبي الدنيا في حسن الظن والبيهقي في الأسماء والصفات وغيرهم عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله سبحانه في إبراهيم عليه السلام {رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ الناس فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنّى} [إبراهيم: 36] الآية، وقوله عز وجل في عيسى ابن مريم: {إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ} إلخ فرفع يديه فقال: اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله جلت رحمته: يا جبرائيل اذهب إلى محمد صلى الله عليه وسلم فقال له: إنا سنقر عينك في أمتك ولا نسوءك» وما أخرجه ابن مردويه عن أبي ذر قال: «قلت للنبي صلى الله عليه وسلم بأبي أنت وأمي يا رسول الله قمت الليلة بآية من القرآن يعني بها هذه الآية ومعك قرآن لو فعل هذا بعضنا تال وجدنا عليه قال: دعوت الله سبحانه لأمتي قال: فماذا أجبت؟ قال: أجبت بالذي لو اطلع كثير منهم عليه تركوا الصلاة قلت: أفلا أبشر الناس؟ قال: بلى فقال عمر: يا رسول الله إنك إن تبعث إلى الناس بهذا ويتكلوا ويدعوا العبادة فناداه أن ارجع فرجع» لا يقوم دليلًا على أن في الآية تعريضًا بطلب المغفرة للكافر إذ لا يبعد منه صلى الله عليه وسلم الدعاء لأمته وطلب الشفاعة لهم بهذا النظم لكن لا على الوجه الذي قصده عيسى عليه السلام منه، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم اقتبس ذلك من القرآن مؤديًا به مقصوده الذي أراده وليس ذلك أول اقتباس له عليه الصلاة والسلام فقد صرح بعض العلماء أن دعاء التوجه عند الشافعية من ذلك القبيل والصلاة لا تنافي الدعاء، وما أخرجه مسلم ومن معه ليس فيه أكثر من أن ما ذكر آثار كأمن شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته فدعا لهم بما دعا وذلك لا يتوقف على أن في الآية تعريضًا لسؤال المغفرة للكافر، ثم إن للعلماء في بيان سر ذكر ذينك الاسمين الجليلين في الآية كلامًا طويلًا حيث أشكل وجه مناسبتهما لسياق ما قرنا به حتى حكي عن بعض القراء أنه غيرهما لسخافة عقله فكان يقرأ فإنك أنت الغفور الرحيم إلى أن حبس وضرب سبع درر، ووقع لبعض الطاعنين في القرآن من الملاحدة أن المناسب ما وقع في مصحف ابن مسعود فإنك أنت العزيز الغفور كما نقل ذلك ابن الأنباري، وقد علمت أحد توجيهاتهم لذلك.
وقيل: إن ذكرهما من باب الاحتراس لأن ترك عقاب الجاني قد يكون لعجز في القدرة أو لإهمال ينافي الحكمة فدفع توهم ذلك بذكرهما، وفي «أمالي العز بن عبد السلام» أن العزيز معناه هنا الذي لا نظير له، والمعنى وإن تغفر لهم فإنك أنت الذي لا نظير لك في غفرانك وسعة رحمتك، وأنت أولى من رحم وأجدر من غفر وستر الحكيم الذي لا يفعل شيئًا إلا في مستحقه وهم مستحقون ذلك لفضلك وضعفهم، وهذا ظاهر في أن في الآية تعريضًا بطلب المغفرة ولا أظنك تقول به، وادعى بعضهم أنهما متعلقان بالشرطين لا بالثاني فقط وحينئذٍ وجه مناسبتهما لا سترة عليه فإن من له الفعل والترك عزيز حكيم، وذكر أن هذا أنسب وأدق وأليق بالمقام.